تختلط الوقائع مع الاوهام والحقائق مع الاكاذيب. وتدير اسرائيل رسميا واحدة من اخطر مسلسلاتها الكاذبة. فبعد فشلها في شيطنة المقاومة وشيطنة الشعب الفلسطيني بدليل هذا الحشد الهائل وغير المسبوق في الرأي العام العالمي لدعم فلسطين وبعد تحولات واضحة في السياسة الدولية لا تزال تحاول بث الاكاذيب. وأمس ملأت الدنيا اكاذيب عن نجاح مشروع صندوق غزة الانساني الذي انشأته وترعاه بهدف واضح وهو الالتفاف على المؤسسات الدولية وخصوصا الاونروا. وقد اتهم منسق الانشطة الاسرائيلية الامم المتحدة بعدم اخراج ٤٠٠٠ شاحنة من معبر كرم ابو سالم لتوزيعها على سكان القطاع. ونسي ان الجيش الاسرائيلي يحدد لهذه الشاحنات مسارات معينة تعرضها بشكل مقصود للسرقة والنهب. كما ان اسرائيل تضع شروطا على توزيع هذه المساعدات ما مس جوهريا بمبدا انساني لتقديم المساعدة للمحتاج. ولم يكتف الاسرائيلي بذلك بل انه منع مثلا wfp من توزيع الطحين مباشرة على الناس حتى بعد ان ثبت عجز بضعة مخابز عن تلبية حاجات الناس من الخبز. وهكذا بقيت كمية من الطحين في مخازن wfp في المنطقة الوسطى ما دفع جموع الجائعين الى مهاجمة المخازن واخذ ما فيها. ولم تكتف إسرائيل بذلك بل سرعان ما ادعت ان الجائعين هاجموا مخازن تابعة لحكومة حماس في تحريض مباشر على حماس واتهامها باخفاء الطحين. وكان هذا الاتهام استمرارا لادعاء ان حماس نصبت حواجز لمنع الناس من الوصول الى منشئآت صندوق غزة الانساني. وعندما وصل الناس الى هناك وحدث ما حدث من فوضى قالت ان المهم في الامر ان الناس كسرت حاجز الخوف من حماس.
والمهم ان كل الروايات بهذا الشأن كانت تعبر عن رغبة في دفع الفلسطينيين في غزة الى صراع داخلي. وهذا ما يردده كثيرون من قيادات اليمين الاسرائيلي ويتمناه كثيرون في قيادة الجيش.
ومن جهة اخرى هناك الاحاديث عن المفاوضات والتي تطفح هي الاخرى بالاكاذيب. فاسرائيل التي تتحدث جهارا عن خطط لادامة الحرب واطالتها وخطط لاحتلالات مديدة لبس في غزة وحدها وانما كذلك في لبنان وسوريا دفعت اغلب الناس لتجاهل ما يذاع زما يقال. فالبالون تقريبا انفجر من كثر التنفيخ والتنفيس.
ومع ذلك فإن الحدث المناوب الحالي هو تصريحات المبعوث الامريكي ويتكوف حول مقترح جديد او معدل. وكان سبق ذلك اعلان حماس موافقتها المبدئية على المقترح الجديد. وكان التلفزيون الاسرائيلي تحدث عن ان المقترح الجديد لم يعرض هذه المرة بعيدا عن المفاوض الاسرائيلي وانما بتنسيق تام معه. وهذا يفتح الباب امام احتمال التوصل لاتفاق.
وفي هذا السياق كتب المراسل السياسي ليديعوت إيتامار آيخنر نقلا عن مسئولين مطلعين على مداولات ويتكوف قولهم "ستبذل الولايات المتحدة قصارى جهدها للتوصل إلى اتفاق - حتى لو كان مجرد كلام". هذا هو الانطباع الذي أعطته مصادر تحدثت مع المبعوث الخاص للشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، في ضوء تصريحه المفاجئ مساء يوم (الأربعاء) إلى جانب الرئيس ترامب، والذي قال فيه: "نحن على وشك إرسال وثيقة شروط جديدة، ولديّ شعور جيد جدًا بالتوصل إلى حل طويل الأمد".
ووفقًا لويتكوف، "آمل أن تُحال مسودة الوثيقة في نهاية المطاف إلى الرئيس، الذي من المتوقع أن يراجعها". وأكد أنه يتوقع "وقفًا مؤقتًا لإطلاق النار، ثم حلًا طويل الأمد - حلًا سلميًا لهذا الصراع".
وكان من المتوقع أن يُسلّم ويتكوف المسودة الجديدة إلى إسرائيل الليلة الماضيى. والامر يتعلق بإطلاق سراح عشرة رهائن أحياء ونصف القتلى. ورغم وجود اتفاق مبدئي على معظم بنود الصفقة، إلا أن المفهوم هو أن ويتكوف يعتزم ممارسة ضغط شديد على إسرائيل لتقديم مرونة بشأن ضمانات إنهاء الحرب - وهو مطلب دأبت حماس على تقديمه طوال الحرب، مما دفع المنظمة إلى رفض الخطوط العريضة السابقة.
لا تزال إسرائيل تعارض الصياغة التي تُلزمها بإنهاء الحرب، وكذلك تقديم ويتكوف للضمانات التي يقدمها لحماس في هذا الشأن. هذا هو محور النقاش بين إسرائيل والولايات المتحدة، بينما يُخشى أن يقدم ويتكوف صياغة غامضة ويعد حماس بضمانات تمنعها من العودة إلى القتال.
خلف الكواليس، تجري محادثات وتبادل مسودات بين قطر والولايات المتحدة - من وراء ظهر إسرائيل، وعلى ما يبدو بعلم حماس، التي أعلنت ظهر امس عن وجود "اتفاق مبدئي" مع ويتكوف، دون علم تل ابيب بالتفاصيل. قالت مصادر مطلعة على التفاصيل هذا المساء: "يبدو أن ترامب قد ضاق ذرعًا بسلوك إسرائيل تجاه حرب غزة. إنه يريد إنهاءها".
وحذر وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، الذي يُدرك اقتراب الاتفاق ويعارض إطلاق سراح الرهائن للإرهابيين ووقف إطلاق النار، قائلاً: "لقد تعرضت حماس لضغوط هائلة وضيق شديد في الأيام الأخيرة نتيجةً لتغيير نظام توزيع المساعدات وفقدانها السيطرة على سكان قطاع غزة، بالإضافة إلى الضغط العسكري المستمر. يجب أن نواصل تضييق الخناق عليها وإجبارها على إبرام صفقة استسلام كاملة مع جميع الرهائن دفعةً واحدة. سيكون من الحماقة تخفيف الضغط الآن وتوقيع صفقة جزئية معها من شأنها أن تُعطيها الأكسجين وشريان الحياة وتُتيح لها التعافي. لن أسمح بحدوث شيء كهذا. انتهى الكلام".
من جانبه، صرّح وزير الخارجية جدعون ساعر قائلاً: "قبل أحد عشر يوماً، ردّت إسرائيل إيجاباً على الاقتراح الأمريكي بشأن إطار عمل لإطلاق سراح الرهائن. وحتى الآن، رفضت حماس هذا الاقتراح. ومع ذلك، بقدر ما تلوح في الأفق فرصة لإطلاق سراح الرهائن، فمن المناسب القيام بذلك، وهذه هي إرادة الأغلبية الساحقة من الشعب الإسرائيلي. يجب أن نتصرف وفقاً للمصالح الوطنية، لا وفقاً للضغوط والتهديدات السياسية".
وأضاف مقر عائلات المخطوفين: "الوزير سموتريتش، لدى العائلات كلمة واحدة تقولها لك الليلة - عار عليك. كفّ عن تضييق الخناق على مصير المخطوفين. سيذكر التاريخ ذلك. كفّ عن التصريحات الكاذبة والوعود الفارغة. افعل ما يريده الشعب - أعد جميع المخطوفين الثمانية والخمسين، رجالاً ونساءً، وأوقف الحرب".
على أي حال، كان تصريح ويتكوف متسقاً مع الرسائل التي نقلها في اقتراحه الأصلي، والتي تُصرّ عليها إسرائيل. مع ذلك، فإن مخطط ويتكوف ليس سوى واحد من عدة مقترحات مطروحة، ويبدو أنه في ضوء المأزق ورفض حماس قبوله، أدرك ويتكوف ضرورة إدخال تعديلات على مقترحه. وبالتالي، يُطرح السؤال حول كيفية رد إسرائيل على المقترح الجديد، بعد أن أكدت مرارًا وتكرارًا أن مقترح ويتكوف الأصلي هو المقترح الوحيد المطروح.
جاء تصريح ويتكوف بعد أن أعلنت حماس ظهرًا توصلها إلى "اتفاق مبدئي" في المحادثات معها على وقف شامل لإطلاق النار والإفراج عن عشرة مختطفين. وعلق مسؤول إسرائيلي لاحقًا على البيان، مدعيًا، على العكس من ذلك، أنه لم تكن هناك أي اتفاقات، وأن "منظمة حماس تواصل دعايتها وحربها النفسية". وأضاف: "كما قال المبعوث الخاص ويتكوف نفسه قبل يومين: بينما وافقت إسرائيل على مخططه، لا تزال حماس متمسكة برفضها. مقترح حماس غير مقبول - لا لإسرائيل ولا للإدارة الأمريكية". لكن يبدو الآن أن وراء بيان حماس سرًا.